المقالة ل خالد ابوحشي
كنت في مهرجان الجنادرية , عام 1415هـ , مشارك في المهرجان كمؤلف موسيقى تصويرية , و عازفها في مشاركة مسرحية زفرة كوكب , و مسرحية هدوا سليسل , و عادة نقيم هناك مع الوفود يومان , و في اليوم الثالث نعود إلى الاحساء , الشاهد : بأنني قبل عرض مسرحية هدوا سليسل , أخذني الشوق لمتابعة عروض الحرف الشعبية , وحتى أنني تأخرت , على موعد عرض مسرحية هدوا سليسل , و كان المخرج محتار وخائف , أن لا يؤنبني على التأخير , و يتغير مزاجي , مما ينعكس على أدائي للمؤثرات في المسرحية , و يكون أدائي غير المطلوب , المهم أنني أتيت متأخر عن وقت العرض , والمخرج لم يبدأ المسرحية حتى أحضر أنا .
مما أخرني عن الرجوع إلى المسرح , هو الاتقاء بشاب غربي اسباني , يحمل الجنسية البريطانية , كنت أتمشى و أنا لابس بنطال , و نك تاي و متهندم و كان شكلي ( كشخة ) , خاصة أنني كنت في حفلة , و مطلوب مني أن أكون لابس جميل , و مصفصف شعري وواضع اللماع للشعر ( الجل ) , و تسريحة شعر شاعرية تلفت النظر , وكانت ربطة عنقي , من آخر موديل , و القميس من صناعة ( إييف سانت لوران ) , و الجزمة أعزكم الله ايطالية فاخرة لماعة , و البنطال من آخر موديل , وواضع فوق صدري بطاقة مشاركة , لعضو في المهرجان و عليها صورتي , المهم بأن شكلي لفت انتباه ذلك الشاب الأسباني , الذي يحمل الجنسية البريطانية , فاستوقفني ذلك الشاب , و لفت انتباهي أولاً و حياني بأبتسامة عرضة , و حركاته كانت حركات ترحيب بي و كأنه يعرفني , مستبشر بالفرحة في لقائي , أنا حسبت كل تلك الحركات منه , بأنه قد تقبلني بصدر رحب , أو قد أعجبه شكلي , ويريد التعرف عليا , ورحبت به و تعارفنا مع بعض, و عرفني على نفسه , و عرفته على نفسي , و بعد التعارف قال لي : أنك إنسان متحضر . رددات عليه : وكيف عرفت أنني إنسان متحضر؟ . قال لي : لباسك ثم مشيك , ثم سلوكك في المتابعة لعروض المهرجان , ثم لأنك لا تزاحم الناس , و تقدر من حولك بإعطائهم الفرص , بأن يستقدموك وأنت راضي , و موافق بصدر رحب , و صمتك في كل الأوضاع . قلت له : إذا كنت تراقبني ؟. قال نعم و أحببت أن أتعرف عليك . قلت له : و أنت محسب عليا كل تلك التصرفات , و اللباس و ما قلته عني صحيح . قال لي : نعم صحيح و هذه لغة عالمية , يفهمها المتحضرون وأنت أجدت هذه اللغة في سلوكياتك , فرغبت بأن أتعرف عليك ,ذلك لأنني وجدت الشخص المناسب , لكي يساعدني في غربتي , و يترجم لي بعض الجمل العربية التي لا أفهمها . قلت له : أنا حاضر سوف نتمشى في سوق الجنادرية , و أعرفك على أي شيء تريد معرفه معلومات عنه , ولكن ليس لدي وقت الآن , لأنني مرتبط بعمل مؤثرات صوتية لمسرحية , و حان موعدها و يجب أن أكون في المسرح , لأن طاقم المسرحية لن يبدوا العرض , حتى أكون معهم . قال لي : هل بإمكاني أن أرافقك ؟. قلت له بكل سرور . و احضر معي و شاهد العرض المسرحي , لمسرحية هدوا سليسل , و بعد العرض أتي إليا بلهفة , وشوق المعجب ثم حضنني , و قال : لم أكن أتوقع بأنك فنان , موسيقي تجيد عزف ( السترنقات ) , و خاصة ما قدمته , و المقتبس من معزوفات الفنان العالمي ( جين مايكل جير ) , وعزف حي طبيعي جداً , أنني من المعجبين لك حقاً . قلت له : مرحباً بك . قال لي : في أول وهله قلت أنك إنسان متحضر , ولكن بعد ما عرفت بأنك فنان , أزداد إعجابي بك , وبما تقدمه من موسيقى عالمية راقية . قلت له : شكراً لك و على مشاعرك الطبية تجاهي . بعدها أهتم الشاب الاسباني بي كثيراً , و أنخفض لي بالسمع والطاعة , و الموافقة على ما أقوله و ما أعمله .
كل ذلك ليس مهم عندي , و لا أقيم له وزنناً , لأن الأمر طبيعي جداً , بين صديق و صديق . ولكن ما هي الخلاصة من هذا اللقاء؟.
في اليوم التالي , تواعدت معه بأن آخذه في جولة في مهرجان الجنادرية , و أعرفه على ما يريد التعرف عليه , وأترجم له من العربي إلى الانجليزية , ما يريد قوله للعارضين في المهرجان , و ما يجاوبه العارضون به عندما يسألهم , فوصلنا إلى الخيمة العربية و هنا سوف يكون الشاهد في هذه المقالة , استمع الشاب الاسباني , للبدوي و هو يجر و يسحب على الربابة , و يغني عليها , ثم صمت كثيراً حتى أنتهي البدوي , من عزف الربابة لكي يستريح و يشرب قليلاً من الشاي , قد سمع الشاب الأسباني , ثلاثة مقطوعات لغناء البدوي على الربابة , ثم تغير لونه و تكدر و ضاق خلقة , فقلت للشاب الأسباني : هل أنت بخير ؟ , هل هناك شيء ما قد ضايقك ؟. قال لي و هو منفعل بتعابير وجهه , و انفلات يداه , و بصوت نصف عالي , : وهذا غناء البدوي لديكم على الربابة , إذا كيف تكون حضارتكم المضبوطة , و خاصة أن البدوي , لا يقرأ و لا يكتب و عايش في الصحراء ؟ , من أين و كيف , وصل إلى الرقي والانضباط في العزف على الربابة ؟ , الغناء بطبقة الصوت على السلم الموسيقي , و الربابة مدوزنة صح , أنه بدوي يعزف على الطريقة الأكاديمية , كيف يكون له ذلك ؟ , و لم يدرس الموسيقى ؟ , أنه إبداع حقاً و فن أصيل , و عزف نضيف منسق و منضبط , هل تعلم يا صديقي , بأنكم تملكون ( موسيقى عرقية ) عربية فاخرة , هل تعلم بأن الصحراء الشاسعة فيا سحر و علم و فن , لكي تعطي هذا العازف البدوي , الحق بأن يعزف العزف النظيف , بدون معرفة لأصول الموسيقى ؟. ( وقال لي الكثير من المديح في حضارتنا , و في الموسيقى العرقية لنا نحن السعوديين ) . قلت له : شكراً على أطرائك لنا , و لموسيقانا العرقية , هذا أن دل على شيء , وإنما يدل على رقيك أيضاً , لأنك فهمت موسيقانا العرقية و قدرتها . قال لي : بعدما سمعت لهذا البدوي , وهو يعزف على الربابة , كان لي التصنيف بين موسيقاكم العرقية , و موسيقانا موسيقى الغجر ( الفلامنكو ), المنتشرة حول العالم , هل تعلم يا صديقي , بأن عرقيتكم الموسيقية السعودية الصحراوية الفاخرة , أفضل من موسيقى عرقيتنا الاسبانية الفلامنكو ؟. قلت له شكراً لك على تقديرك لنا . قال لي : أنها حقيقة , و كيف لغجري بأن يغني الفلامنكو على الجيتار , وصوته صوت مزعج و ملخبط و غير منتضم , و كأنه صوت وحش مخيف , أو كصوت شكمان السيارة !! , أنها موسيقى عرقية أسبانية هراء , و كيف لمغني بأن يغني على الجيتار , بالطريقة الغجرية بدون سلم موسيقي , ووضوح للنغمات , و كأن الحبال الصوتية لمغني الفلامنكو ممزقة , و غير صالحة للغناء , لقد سبقتنا حضارتكم الموسيقية العرقية للسعودية , وهاأنتم تعيشون في الصحراء و موسيقاكم نضيفة و على أصول , ونحن نغمي بلوث صوت المغني النشاز , مغني الفلامنكو…. ( كان يتحدث معي , و تعابير الحسرة على وجهة , و زعلان من التراث الغجري لشعب الفلامنكو ) . رددت عليه : أنكم تملكون أيضاً حضارة موسيقية راقية , و شعب الفلامنكو شعب عريق , و لكن يمكن تكون عملية , غناء المغني الفلامنكو , تحكي المعاناة , التي عاناها الشعب الغجري الفلامكنو . قال لي : دعك من هذا الكلام , فكيف تكون علوم الموسيقى لدينا في أسبانيا , و لا تتم عملية أستخدمها , لتسترشد الموسيقى للتراث !! , أنه غباء حضاري .
ذلك كان رأيه في الموسيقى الغجرية الفلامنكو .
( ذلك كان الشاهد من تلك القصة )
و أنه توجد لدينا فنانين سعوديين حاليين , موسيقاهم العرقية في زاوية , و موسيقاهم التي يمارسونها في زاوية أخرى !!!. و لمهم بأنك مطرب مشهور و بس .